إعداد: عوض فرحان

يحمل سوق الثلاثاء الشعبي الواقع في وسط مدينة أبها رمزية وأهمية كبيرة من الناحية التاريخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية لدى أهالي منطقة عسير، وهو الأشهر على مستوى الأسواق الشعبية القديمة في المنطقة، وأصبح اليوم وجهة مفضلة لدى الزوار وهواة السياحة التراثية، ليتعرفوا على تراث المنطقة مباشرة من قبل أهلها.
والتقت "واس" خلال جولتها في سوق الثلاثاء بالباحث والمؤرخ ومؤلف كتاب " الأسواق الأسبوعية في منطقة عسير" الدكتور عبدالله بن علي آل موسى، الذي أوضح أن سوق الثلاثاء بمدينة أبها يعد من أقدم الأسواق الشعبية في المنطقة، وسمي بهذا الاسم نسبة ليوم انعقاده، وهو يوم الثلاثاء من كل أسبوع.
وكان السوق قديمًا ملتقى للباعة والمستهلكين وأصحاب الرأي والضبط، تتم فيه عملية البيع والشراء، إضافة إلى استطلاع أخبار الأمطار والأسعار والتجار والمستجدات، ويعقد فيه مجالس إصلاح ذات البين، وحل المشاكل الاقتصادية وغيرها، بالإضافة إلى تدعيم ضوابط التسويق وتطبيقاتها.
ويقول الدكتور آل موسى أن سوق الثلاثاء -الأشهر على مستوى منطقة عسير- يمتاز بنشاط اقتصادي، وهوه مقسم إلى نوعين: نشاط دائم: وهو نشاط أصحاب المحلات التجارية الثابتة بالسوق اليومية، مثل بيع القهوة والهيل والزنجبيل والعطور والأقمشة وغيرها من حاجات ضرورية.
ونشاط أسبوعي: وهو ما يجلب إلى السوق يوم الثلاثاء من كل أسبوع، وتشتمل على (المواشي بجميع أنواعها، والمصنوعات اليدوية، وأدوات الحرث، والري وشداد الحيوانات، والمصنوعات الخشبية مثل الأجهزة الأساسية في الحرث والصناعة، والمصنوعات الجلدية، والحديدية) إضافة إلى النباتات العطرية (كالريحان، والشيح، والنعناع، والكادي)، و(السمن البلدي والقطران والموافي -جمع "ميفا" بلهجة أهل المنطقة- وهو (التنور) المستخدم للخبز.
وللسوق دورًا اقتصاديًا مهمًا في تنشيط الحياة الاقتصادية والسياحية بالمنطقة حيث يتوافد إليه الأهالي والسياح لشراء مستلزماتهم الحياتية والنماذج الجمالية المصنوعة محليًا، (كالطفشة، والحلي من الفضة، وكذا الأدوات التقليدية).
ويضيف: أن النساء اللاتي يتواجدن في سوق الثلاثاء ورثن مهنة صنع القلائد والعقود، منها ما هو مصنوع من الأحجار الكريمة، (كالعقيق اليمني، والظفار)، ومنها مصنوع من قطع الفضة القديمة أو الحديثة، حيث تفضل النساء الحلي المصنوعة يدويًا، خصوصًا المصوغة من الفضة.
ويقع (سوق الثلاثاء) الحالي بجانب إمارة منطقة عسير، وبجوار مسرح قصر "المفتاحة"، والذي افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود في عام 1416 هـ وبني على شكل بيضاوي حتى يستوعب أعداد كبيرة من الزوار، ويضم بداخله أكثر من مائتي دكان وبسطة يعرض فيها الباعة معروضاتهم بشكل جميل.
وعن تاريخ السوق أشار آل موسى أن المؤرخ والباحث هاشم النعمي أورد في كتابه "تاريخ عسير في الماضي والحاضر" أنه قبل سنة 1242هـ كان يقام السوق أسبوعيًا في الساحة الواقعة بفناء "ناظر" غربًا، وكانت الناس تتوافد إليه لقضاء احتياجات منازلهم، حيث كان الباعة يأتون إلى السوق قبل موعده بيومين أو ثلاثة، يحملون ما يرغبون في تسويقه من (الحبوب والثمار)، وكان السوق في البداية يقام حتى الظهر، ثم بعد نشاطه وزيادة حركته اضطر الباعة أن يستمروا حتى المغرب.
ويذكر أحد سكان أبها حسين هبيش، ممن عاصروا السوق القديم قبل عدة عقود، أن السوق كان يقع وسط مدينة أبها، وله مداخل ومخارج من أركانه الأربعة، وبلغت أعداد الدكاكين بين (104 - 110)، وكان التجار يستوردون بضائعهم في حينه من مكة، ومنهم من كان يذهب إلى عدن أو صعدة لجلب البن والزبيب.
من جهته أوضح البائع أحمد عبدالله أن السوق في موقعه الحالي، يعرض منتجات متنوعة تلبي احتياجات الكثير من رواده ما جعل الحركة التجارية والسياحية مستمرة ونشطة طوال أيام الأسبوع، مضيفا أن المنتجات في السوق تشمل (الأزياء والمصوغات والحلي الشعبية، وأدوات الطبخ التقليدية، والنباتات العطرية، ومحلات العسل والسمن البلدي بأنواعها، ومحلات المشغولات الفضية، والمصنوعات القديمة، وأدوات الزراعة والصيد.